حوار زكية الكردي



وأنت تنظر إلى نسائها ينتابك شعور غامض بالقهر والغبطة معا، تشعر بقوّتهن وضعفهن، نساء مصقولات بالرمل منحوتات بالتعب والشغف. زكية الكردي التي تحمل في قلبها أناقة حلب وأهلها، سرقتها الكتابة قليلا ولكن الرسم -وهو حلمها الأول- أبى إلّا أن يتحقّق فعادت إليه وهي واثقة أنها تستطيع الموازنة بينه وبين الصحافة التي توليها معظم وقتها كونها تكتب في جريدة الخليج. تتحدث عن ذاكرتها الأولى التي اختصرتها برسمة رسمتها وعلّقتها أمها في البيت تأكيدا على موهبتها، رسمت كثيرا وهي طفلة، وحين كبرت درست علم الاجتماع لعدم توفّر كلّية فنون في حلب، ولكن الحلم لم يتركها وأصرّ على التحقّق فعادت لألوانها بكلّ شغف. التقيت بها على هامش معرضها الشخصي الأول الّذي أقيم مؤخّرا في ندوة الثقافة والعلوم احتفاء بيوم المرأة العالمي وكان معها هذا الحوار عن الرسم والكتابة والأمومة


سؤال يطرح نفسه في البداية، أين تجدين نفسك أكثر في الرسم أم الكتابة؟ ولماذا؟

لا يمكنني أن أنحاز إلى أحدهما كلياً، فأنا كالكثير من الناس "متعددي الشغف" كما أحب أن أسميهم، تأخذني الكتابة فأسافر معها كما حصل معي سابقاً، فقد سافرت معها لسنوات طويلة مبتعدة عن الرسم تماماً، لكنه عندما صحى بداخلي وجدتني عاجزة عن التوقف، مع فرق بسيط هو عدم توقفي عن الكتابة هذه المرة لأن مهنتي أصبحت مرتبطة بها، ولعلي لهذا أحب مهنتي كصحفية وأستمتع بها


لماذا -في معرضك "نساء ورمال" الّذي أقيم في ندوة الثقافة والعلوم، اخترتِ تلك الملامح القاسية في وجوه نسائك؟

لم أخترها بل اختارتني، ولست أبالغ في هذا، ففي البداية كنت مأخوذة بالتقنية ذاتها، وأحببت أن أطبقها في رسم البورتريه لصعوبته بسبب احتوائه على الكثير من التفاصيل، كان تحدياً بدأته مع نفسي- وهو السبب الذي استفزني وأيقظ شغفي للرسم من جديد- ثم بدأت أبحث في الوجوه عن ملامح تختزل الكثير من المشاعر التي أرغب بإيصالها، كما تختزل الكثير من قصص العالم حولنا، ثم ما لبثت أن نضجت الفكرة عندما تمكنت من التقنية وفككت أسرارها، فبدأت الوجوه تدور في مخيلتي، مئات الصور أمر عليها يومياً حتى أقف أمام وجه يخاطبني بقوة ويأمرني بتجسيده برمال لا تتحلل بطبيعتها، فهؤلاء النسوة لسن مجرد وجوه جمال – رغم أن الجمال جزء من المعادلة والفكرة فقد أردت من خلالهن أن أحارب عنصرية الجمال ومقاييسه، لكن كل واحدة منهن تجسد حال البلد الذي تنتمي إليه، وتحديداً حال السواد الأعظم من النساء فيه


ماذا يعني لك كونك أم وفنانة وصحافية؟ كيف توازنين بينها؟

الأمر ليس سهلاً بدون شك، فكثيراً ما أتخيل نفسي أشبه بفأر الهامستر الذي يركض في دولابه طوال الوقت، لكني أركض دون توقف، أتحايل على الوقت، أتمسك بالشغف فيوقظني طيلة الليل حتى تنفذ قدرتي على الوقوف فأستسلم للنوم، لكني مع هذا أستمتع بلعبتي مع الأولويات، بمهنتي التي أحب، بأمومتي وطفولة صغيرّي التي أعرف أنها لن تطول وأخشى أن تسرق مني دون ذكريات رائعة، وبدون شك لولا مساعدة زوجي و تشجيع أصدقائي لما استطعت تحقيق هذه الموازنة


أين تجدين الرجل من ابداع المرأة عموما ومن ابداعك خصوصا؟

الرجل هو أبي الذي لطالما أشعرني بالتميز منذ طفولتي الأولى، وكثيراً ما سهر معي وأنا أخربش رسوماتي الطفولية، بينما هو يفسح أمام عقلي بوابات المخيلة بحكايات أسفاره ومغامراته، هو صديقي الأول "أبي" وهو الحبيب والصديق والزوج الذي ساندني في كل خطوة، ولهذا أتوقع أن يكون في لوحتي إله الحب والعطاء، فهي الصورة الجميلة التي أخذتها عن أبي أولاً، أما بالنسبة لتواجد الرجل في إبداع المرأة فأعتقد أن الفن أعطى للمرأة مساحة أكبر منذ الأزل، وهذا أثّر في مخيلة الفنانين عموماً رجالاً كانوا أم نساء


ماذا يعني لك سيدتي؟

أ- الحب بالنسبة لي يعني أن نقفز معاً، وأن أبتسم لأجل من أحب عندما يكون الأمر صعباً

ب- الحياة حلم يمكننا أن نجعله مثيراً عندما نولع بالاستكشاف

ج- العائلة هي دائرتي الخاصة، وطني الصغير الذي أحمله في قلبي وأنتمي إلى نفسي إذ أنتمي إليه

د- الصداقة، أعتقد أن القدر يشكلنا بطريقة ما عبر اختيار أصدقائنا،ولطالما كنت ممتنة بما اختاره لي

ه- الجمال بعيداً عن حديث النسبية، الجمال حالة نشكلها بداخلنا أولاً، ومن الممتع أن نكتشف قدراتنا في خلقها حتى في أبسط التفاصيل

و- الوطن منذ سنوات وهذه المفردة تؤلمني رغماً عني، هي رديف للحنين، ولذاكرة أعرف أنها لن تعود

ز- الموت تحرر من مادية الجسد

ح- البشاعة، مجرد فكرة، تخلقها مشاعر مثل الكره، الحقد، النكران....إلخ


كونك مطّلعة على الكثير من تجارب أقرانك، كيف تجدين الفن الآن في الوطن العربي؟

لا يمكنني الحديث في هذا الخصوص فلست أدعي أني فنانة محترفة، أنا هاوية للفن ومغرمة به، وسوف أظل أستمتع بكوني هاوية، لهذا لا أعتقد أني أملك الإجابة العملية على هذا السؤال فهو يحتاج لأشخاص محترفين أكثر، وذوي سنوات طويلة من الخبرة، وليس بالضرورة أن يكونوا فنانين أعتقد أن هذه وظيفة النقاد

كيف من وجهة نظرك بإمكاننا تحسين الوضع بالنسبة للفن والفنانين؟

بمنظور عام أعتقد أن تحسين وضع الفن والفنان مرتبط بثقافة المجتمع ذاته وتقديره للفن، وهذا لن يأتي بين ليلة وضحاها، فتذوق الفن يزرع مع اللغة، ومع الأرقام على مقاعد الدراسة، لهذا أعتقد أن الدور الأهم يعود للمدرسة، ويقف على عاتق مدرسي الفن أنفسهم بالدرجة الأولى، فهم الصورة الأولى التي تطبع في ذهن انسان المستقبل عن الفن والفنانين

هل تعتقدين ان الفن بإمكانه تغيير حياة البشر وكيف؟

قوة الفن وقدرته وسره أيضاً، كل هذا يكمن في الإيحاء، فالانسان بطبيعته يبحث عن شعور ما في كل ما يقوم به ويفعله، أما فيما يخص (كيف؟) فلست أملك أسرارها بعد


:حوار و لقاء

الفنانة ماجدة نصرالدين